كورونا و ريادة الأعمال الرقمية في التعليم عن بعد

اجتاح فيروس صغير دول العالم، وفرض إجراءات جدية على جميع المؤسسات والأفراد للعمل بنمط جديد، تفادياً للإصابة به، وللحد من انتشاره، مما فرض على قادة الميادين التعليمية انتهاج نمط تعليمي جديد لطلبة المدارس والجامعات، وهو التعليم الرقمي الذي يُوظف التقنيات والمستحدثات التكنولوجية في العملية التعليمية، وتسخيرها لتعلم المتعلم ذاتياً وجماعياً، سواء كان بصورة متزامنة أو غير متزامنة تتناسب مع ظروفه وقدراته، لتحقيق تعلم نشط وفعال.

ما هو التعليم الرقمي؟

هو عمليّة الفصل بين المتعلّم والمعلّم والكتاب في بيئة التعليم، ونقل البيئة التقليديّة للتعليم من جامعة أو مدرسة وغيره إلى بيئة متعددة ومنفصلة جغرافيّاً، وهو ظاهرة حديثة للتعليم تطورت مع التطور التكنولوجي المتسارع في العالم، والهدف منه إعطاء فرصة التعليم وتوفيرها لطلابٍ لا يستطيعون الحصول عليه في ظروفٍ تقليدية ودوامٍ شبه يومي.

 موضوع.كوم

أثبت التعليم عن بعد فاعليته ومساهمته في تحفيز وتعزيز العملية التعليمية إذ تفوق على التعليم بالتلقين الذي يحد من المهارات الإبداعية لدى المتعلم.

أهم ميزة يتسم بها بها التعليم الرقمي هي الحرية التي يمنحها للمتعلم في تلقي المعلومات عن بعد، سواء بطريقة متزامنة أو غير متزامنة.

التعليم الرقمي بطريقة متزامنة

أي يتفاعل المعلم والمتعلم في نفس الفترة الزمنية من خلال أدوات وبرمجيات متزامنة لكن بأماكن مختلفة، لإجراء مناقشات وحوار بين المتعلمين أنفسهم وبينهم وبين المعلم مثل: استخدام الفصول الإفتراضية، والحلقات الدراسية عبر الإنترنت، ومؤتمرات الفيديو.

التعليم الرقمي بطريقة غير متزامنة

وهي تفاعل المعلم والمتعلم في أماكن وأوقات مختلفة، باستخدام أدوات وبرمجيات تسمح للمتعلم بالتفاعل معها، مثل المنصات التعليمية، والمقررات الإلكترونية المفتوحة واسعة الإنتشار MOOCs، الفيديوهات والملفات الصوتية والمراسلات البريدية التقليدية، فلم يعُد المتعلم مُلزماً بوقت وزمان محددين من أجل الحصول على المعلومة، أو انتظار المعلم حتى يُعطيه إياها، بل هو من يبحث عنها عبر المواقع والمنصات.

ويُعد هذا النمط من التعلم الأنسب لمواصلة العملية التعليمية في ظل الإنتشار الواسع والمتسارع لفايروس كورونا، والذي حصد حتى كتابة هذا المقال أكثر من 32 ألفاً ضحية، بالإضافة لإصابة أكثر من 700 ألف شخص حول العالم، مما شدد على أهمية نمط التعلم الرقمي، لضمان استمرار العلمية التعليمية وتحقيق التواصل الفعال بين المعلم والمتعلم.

تحديات التعليم عن بعد

في ليلةٍ وضحاها أُجبر ملايين من المتعلمين والمعلمين، لإعتماد التعليم الرقمي كوسيلة بديلة، بل ووحيدة في ظل فقر الإمكانيات التي تُعاني منها المؤسسات التعليمية.

لقد ظهرت العديد من التحديات بقوة بعد استخدام هذا النمط من التعلم، أهمها:

• عدم وجود بنية تحتية لتفعيل التعلم الرقمي،

• ضعف المنصات التعليمية التي تعتمد على تقديم المناهج بطريقة رقمية على شكل مقررات إلكترونية،بكافة عناصر المنهج (الأهداف، المحتوى، الأنشطة التعليمية التعلمية، التقويم)،

• وقلة الوعي الكامل من قِبل المجتمع والمسئولين عن العملية التعليمية حول مبادئ التعلم الرقمي،

• التكلفة المالية العالية اللازمة لتفعيل واستخدام التعلم الرقمي بشكلٍ كامل، كتوفير أجهزة ذكية و تكلفة الاتصال بالانترنت خاصة بالمناطق النائية،

• التكلفة العالية لتصميم وإنتاج البرمجيات التعليمية،

• بالإضافة لقلة الخبراء والمختصين من ذوي الكفاءة والخبرة في مجال التعلم الرقمي فمعظم المعلمين بحاجة لدورات تدريبية حول كيفية التعامل مع التقنيات الحديثة للتعلم الرقمي، وكيفية إنتاج المقررات الإلكترونية، تفعيل الأنشطة التعليمية التعلمية باستخدام المستحدثات التكنولوجية،

•  ضرورة تدريب أولياء الأمور لطلاب الصفوف الأولى على كيفية استخدام التقنيات الحديثة في عملية التعليم، وذلك لمساعدة أبنائهم في عملية التعلم، فالمتعلم في الصفوف الأولى لا يملك الخبرة الكافية للتعامل مع التقنيات الحديثة في التعليم، حيث يكون التعلم شاقاً وغير مُجد إذا لم يجد الطفل من يُسانده ويُرشده خلال تعلمه.

ما هي ريادة الأعمال الرقمية؟

حسب تعريف المفوضية الأوروبية، فإنَّ ريادة الأعمال الرقمية هي ”تأسيس مشاريع جديدة، وتحويل مشاريع قائمة؛ عن طريق تطوير تقنيات رقمية جديدة و / أو استخدام جديد لهذه التقنيات “.

في كتابه: ” الريادة الرقمية Digital Entrepreneurship“ يقول مايكل هيرلاش: ”نحن في عصر اقتصاد التكنولوجيا (الاقتصاد الرقمي)؛  يجب أن يكون صاحب المشروع على دراية بالأعمال التجارية، و يستخدم الإنترنت كوسيلة للتواصل والتجارة مع المستهلكين (B2C) والشركات (B2B)“.

في هذا السياق ظهرت شركات ناشئة تهدف إلى رقمنة التعليم و جعل العملية التعلمية في متناول الجميع قدر المستطاع

ريادة الأعمال الرقمية و التعليم عن بعد 

بعد أكثر من شهر من البحث والإطلاع الواسع على المنصات التعليمية العربية التي تُقدم المنهج الدراسي الخاص بالمراحل: (الأساسية، والثانوية) بطريقة رقمية، سواء كانت للمحتوى التعليمي، أو الأنشطة التعليمية، أو توفير بيئة تعليمية إلكتروينة في مُتناول الطالب، أو التقويم الإلكتروني، وجدت العديد من منصات التعليم عن بعد التي تُقدم المناهج الدراسية في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة الأردنية بطريقة رقمية، مثل منصة "نفهم" و"أكاديمية نون" ومنصة "إدراك" ومنصة "Classera" وسهولة الوصول لهذه المنصات.

 في حين لم أجد منصة تعليمية متخصصة لتقديم المناهج بطريقة رقمية في فلسطين مثلا، باستثناء بعض القنوات على YouTube التي تُقدم المحتوى التعليمي على شكل فيديو، وبعض الصفحات على موقع Facebook والتي تُقدم المحتوى التعليمي أيضاً على شكل فيديو، وتستخدم الطريقة التقليدية في التعلم وهي التلقين، من خلال المعلم الذي يظهر في الفيديو ويقوم بسرد المعلومات أمام المتعلم، والذي يفتقد لمبادئ التعلم عن بعد.

مبادئ التعليم الرقمي 

من هذه المبادئ:

1. تفاعل المتعلم وتحفيزه للمشاركة في العملية التعليمية،
2. وانعكاس هذه المشاركة وذلك التفاعل بوضوح،
3. وإجراء التقويم التكويني الذي يُمثل من أهم أعمدة وركائز المنهج التربوي في التعلم،
4. وإجراء التقويم الختامي الذي يتصف بأنه يُعالج سلسلة متنوعة من مستويات الإنجاز للمتعلم ويُمكنه من ترسيخ المعلومات بشكل جيد.

هذه المبادئ غير متوفرة في منصات التواصل الإجتماعي الموظفة في عملية التعليم، وتجدر الإشارة هنا إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي مثل (Watsapp،Telegram ، Facebook، IMO) غير مقننة، ولها سلبيات كثيرة في التعليم النظامي، وخاصة من ناحية أمنية، فهي قنوات غير رسمية وقد تتعرض لقرصنة وإنتحال، والأهم أنها لن تُحقق جودة التعلم الرقمي.إلا أنها ساعدت في سد الثغرة و لعلها نبهت مسؤولي البحث العلمي و التربية و التعليم في دولنا العربية إلى هشاشة الموارد الرقمية المخصصة للتعليم و أولويتها في عصر السرعة.

في عصر الكورونا، الذي جعل التعلم عن بعد ظاهرة إجتماعية، ألم يحن الوقت لتقوم الجهات المسئولة بدراسة جدّية لرقمنة التعليم في وطننا العربي وتهيئة بُنية تعليمية مناسبة لتقديم هذا النمط من التعليم، من خلال وضع قواعد وأسس له، ورصد تمويل حكومي كاف لتطوير المحتوى التعليمي من تقليدي محض إلى رقمي، وتطوير الكتب الدراسية بحيث تُصبح إلكترونية تفاعلية، وبناء بوابات ومنصات تعليمية عن بعد توفر بيئة للتواصل بين مختلف الفئات وتُقدم محتوى تعليمي رقمي يمتاز بجودة تعليمية عالية متبعين نموذج الدول الرائدة في هذا المجال كقطر و الإمارات، قبل أن يقوم هذا الوباء الإستثنائي بتقزيم التفاعل الإجتماعي الجسماني بشكل أكبر، والاعتماد على أنشطة الحياة عن بعد.